إبراهيم عيسى يكتب: أقباط مصر.. مصريوها
هل سيحكم الإسلاميون مصر؟
حتى الآن يبدو الوضع غامضا رغم هذا الفوز الساحق للإسلاميين، فالإخوان يريدون محبة المجلس العسكرى، ولا يسعون لمغبة مسؤولية الحكومة، والطافى الوحيد على السطح أنهم قانعون بأغلبية البرلمان، ومن ثم التشريع تحت القبة، ولعب دور معارضة الحكومة فقط، وهو وضع غرائبى شاذ، لكن يبدو من خطوات التصادق والتحالف بين «العسكرى» والإخوان أن الإسلاميين لن يحكموا على الأقل خلال الأشهر الستة القادمة، فى تنازل مريب عن حقهم، وفى خطوة ربما تضرب حقهم للأبد، وفيما يبدو أن إصرار القوى الوطنية، وهى فى معظمها منافس وخصم للإخوان والسلفيين، على تولى هذا الفريق الفائز الحكم، إقرار بالديمقراطية وإيمان بإرادة الشعب، فإن الإخوان يتصورون أن هذه القوى الوطنية تطلب هذا المطلب للوقيعة بين الإخوان و«العسكرى» ونكاية فى الجنرالات، ومن الثابت حتى تاريخه وإلى أن يقضى الله أمرا كان مقضيا أن الإخوان متسامحون فى حقهم جدا بخصوص تشكيل حكومة أغلبية، وراضون بالعمل البرلمانى على سبيل التكتيك أو تفكيك السلطة العسكرية من أسفل!
ولكن ماذا عن الأقباط؟
المشهد الرائع لمصر الثورة ليلة رأس السنة فى ميدان التحرير يؤكد أن ظاهرة جديدة تُولد فى الساحة القبطية، حيث يخرج الآلاف من الأقباط مع المسلمين فى قلب ميدان التحرير فى ليلة مثل تلك بمئات الألوف من الشموع وبأعلام مصر وبالغناء الصوفى مع الترانيم القبطية والعظات المسيحية مع الخطب الوطنية، فى تشابك وطنى وتحالف مصرى وانصهار إنسانى مذهل، يوحى بجرأته وجسارته وشجاعته بأن الخوف المعشش فى صدور كثيرين من الأقباط والاستكانة المسيحية الشهيرة التى ربتها الكنيسة القبطية فى قلوب أقباطها والولاء القانع التابع لأى حكم يشكل أمانا زائفا للأقباط، يوحى بأن كل هذا قد زال أو فى طريقه إلى الزوال.
صحيح أن كنيسة الدوبارة الإنجيلية بدورها الوطنى المشرق فى ثورة يناير وفى الموجات الثورية المتلاحقة بميدان التحرير ومحمد محمود ومجلس الوزراء هى التى تصدت وتصدرت مشهد رأس السنة، وهى الكنيسة التى فتحت أبوابها مستشفى ميدانيا لمصابى الثورة على مدى الشهور الماضية، بمثابة الحضن الوطنى للمسلمين والمسيحيين، ولم تكن الكنيسة القبطية التى قامت بهذا الدور الوطنى، إلا أنه يبدو أن المشهد شارك فيه كل طوائف المسيحيين، فضلا عن الدور المهم الذى يلعبه كذلك اتحاد شباب ماسبيرو فى الهم والاهتمام السياسى!
إن الصعود الكبير للإسلاميين على عكس السائد يؤدى إلى دور أكبر للأقباط فى السياسة، لعل العودة إلى تجربة حركة الحقوق المدنية فى أمريكا خلال الخمسينيات والستينيات تعلِّمنا أن الأقليات الدينية والفكرية والسياسية كذلك حين تتحالف تحت أهداف وشعارات وطنية وإنسانية جامعة ونبيلة تنجح -وبقوة- فى تفتيت جدار التعصب وإسقاط أفكار التمييز العنصرى أو الدينى. كان مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية حتى وقتها يضطهد اليهود ويعاديهم ثقافيا وينبذهم سياسيا، وكان طبعا عنصريا ضد الزنوج السود، ويطبق سياسة الفصل العنصرى فى ولايات كثيرة جدا من أمريكا، خصوصا فى الجنوب. نهضت حركة الحقوق المدنية التى تطالب بالمواطنة الحقيقية الكاملة وإسقاط التمييز الدينى والعرقى، وكان قوامها الرئيسى اليهود والسود والليبراليين البيض الأمريكان طبعا، وقد انتصروا لحقوقهم تماما، لدرجة أن رذاذ هذا الانتصار جاء فى وجه العرب والقضية الفلسطينية أحيانا!
الأقباط لا بد أن يتحركوا فى السياسة أكثر وأعمق من منطلق كونهم مصريين قبل أن يكونوا أقباطا تماما، كما حدث مرتين فى التاريخ المصرى، واحدة نجحت والثانية أجهضت، أما الأولى فهى حين شكَّل سعد زغلول الوفد المصرى للتفاوض مع الإنجليز والعالم لاستقلال مصر، ولم يكن فيه أى شخص قبطى، سارع أقباط مصر للاجتماع فى نادى رمسيس، وقرروا أن ينضموا إلى الوفد، هم الذين عرضوا وتقدموا وانضموا ووضعوا أنفسهم فى قلب الحركة الوطنية، ولم يعرض عليهم أحد، ولم يغرهم أحد، بل هم بالشعور الوطنى وبالرغبة الحقيقية فى رفض دور الأقلية المتفرجة، هم الذين بادروا وصنعوا تاريخا جديدا لمصر ولأقباطها مع وفد سعد زغلول.
الحدث الثانى تحكى عنه الوثائق التى يعرضها الكاتب الكبير محسن محمد فى كتابه (مَن قتل حسن البنا؟) حيث (نشرت مجلة «المصور»، «إن شخصيات بارزة معينة غير إسلامية بينهم عضو الشيوخ لويس فانوس ومريت بطرس غالى، انضموا إلى جماعة الإخوان المسلمين».
قال الشيخ البنا ردا على ذلك: إنه ليس هناك ما يمنع من التعاون مع هذه الجماعة التى تضم كل الوطنيين، سواء كانوا مسلمين أو غيرهم.
وتكتب السفارة البريطانية إلى لندن:
هذه محاولة من جانب الأقباط للانضمام إلى الإخوان المسلمين، مماثلة للمحاولة الناجحة للأقباط بالانضمام إلى حزب الوفد عام 1919. ووفقا لتقارير أخرى، فإن هذه العناصر القبطية اقترحت على حسن البنا أن تغير جماعته اسمها إلى «الإخوان المصريين»، بدلا من «الإخوان المسلمين». لكن البنا يرفض الانضمام ويرحب بالتعاون).
إنه طريق طويل وقد بدأ.